الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، قال: قوله في حديث أبي هريرة: (اثنتان). مبتدأ، وسوغ الابتداء به التقسيم، أو أنه مفيد للخصوص. قوله: " بهم كفر ": الباء يحتمل أن تكون بمعنى " من "، أي: هما منهم كفر، ويحتمل أن تكون بمعنى " في " أي: هما فيهم كفر. قوله: " كفر ". أي: هاتان الخصلتان كفر ولا يلزم من وجود خصلتين من الكفر في المؤمن أن يكون كافرًا، كما لا يلزم من وجود خصلتين في الكافر من خصال الإيمان، كالحياء، والشجاعة، والكرم، أن يكون مؤمنًا. قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمة الله: (بخلاف قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: " الطعن في النسب ". أي: العيب فيه أو نفيه، فهذا عمل من أعمال الكفر. قوله: " النياحة على الميت ". أي: أن يبكي الإنسان على الميت بكاء على صفة نوح الحمام، لأن هذا يدل على التضجر وعدم الصبر، فهو مناف للصبر الواجب، وهذه الجملة هي الشاهد للباب. والناس حال المصيبة على مراتب أربع: الأولى: السخط، وهو إما أن يكون بالقلب كأن يسخط على ربه ويغضب على قدر الله عليه، وقد يؤدى إلى الكفر، قال تعالى: الثانية: الصبر، وهو كما قال الشاعر: الصبر مثل اسمه مر مذ أقته لكن عواقبه أحلى من العسل فيرى الإنسان أن هذا الشيء ثقيل عليه ويكرهه، لكنه يتحمله ويتصبر، وليس وقوعه وعدمه سواء عنده، بل يكره هذا ولكن إيمانه يحميه من السخط. الثالثة: الرضا، وهو أعلى من ذلك، وهو أن يكون الأمران عنده سواء بالنسبة لقضاء الله وقدرة وإن كان قد يحزن من المصيبة، لأنه رجل يسبح في القضاء والقدر، أينما ينزل به القضاء والقدر فهو نازل به على سهل أو جبل، إن أصيب بنعمه أو أصيب بضدها، فالكل عنده سواء، لا لأن قلبه ميت، بل لتمام رضاء ربه - سبحانه وتعالى - يتقلب في تصرفات الرب - عز وجل -، ولكنها عنده سواء، إذ إنه ينظر إليها باعتبارها قضاء لربه، وهذا الفرق بين الرضا والصبر. الرابعة: الشكر، وهو أعلى المراتب، وذلك أن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة، وذلك يكون في عباد الله الشاكرين حين يرى أن هناك مصائب أعظم منها، وأن مصائب الدنيا أهون من مصائب الدين، وأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وأن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته وربما لزيادة حسناته شكر الله على ذلك، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : كما أنه قد يزداد إيمان المرء بذلك. ولهما عن ابن مسعود مرفوعًا:
قوله في حديث ابن مسعود: (مرفوعًا). أي: إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. قوله: " من ضرب الخدود ". العموم يراد به الخصوص، أي: من أجل المصيبة. قوله: قوله: الأول: صيغة العموم الثاني: القرينة، لأن ضرب الخدود وشق الجيوب يفعلان عند المصيبة فيكون دعا بدعوى الجاهلية عند المصيبة، مثل قولهم: واويلاه ! وانقطاع ظهراه ! والأولى أن ترجح صيغة العموم، والقرينة لا تخصصه، فيكون المقصود بالدعوى كل دعوي منشؤها الجهل. وذكر هذا الأصناف الثلاثة، لأنها غالبًا ما تكون عند المصائب، وإلا، فمثله هدم البيوت، وكسر الأواني، وتخريب الطعام، ونحوه مما يفعله بعض الناس عند المصيبة. وهذه الثلاثة من الكبائر، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبرأ من فاعلها. ولا يدخل في الحديث ضرب الخد في الحياة العادية، مثل ضرب الأب لابنه، لكن يكره الضرب على الوجه للنهي عنه، وكذلك شق الجيب لأمر غير المصيبة. وعن أنس، أن رسول الله قال: قوله في حديث أنس: قوله: وقوله: وهناك خير أولى من ذلك وهو العفو عن الذنب، وهذا أعلى، لأن الله إذا لم يعاقبه في الدنيا ولا في الآخرة، فهذا هو الخير كله، ولكن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل تعجيل العقوبة خيرًا باعتبار أن تأخر العقوبة إلى الآخرة أشد، كما قال تعالى: والعقوبة أنواع كثيرة: منها: ما يتعلق بالدين، وهي أشدها، لأن العقوبات الحسية قد ينتبه لها الإنسان، أما هذه، فلا ينتبه لها إلا من وفقه الله، وذلك كما لو خفت المعصية في نظر العاصي، فهذه عقوبة دينية تجعله يستهين بها، وكذلك التهاون بترك الواجب، وعدم الغيرة على حرمات الله، وعدم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك من المصائب، ودليله قوله تعالى: ومنها العقوبة بالنفس، وذلك كالأمراض العضوية والنفسية. ومنها العقوبة بالأهل، كفقدانهم، أو أمراض تصيبهم. ومنها: العقوبة بالمال، كنقصه أو تلفه وغير ذلك. قوله: والإمساك فعل من أفعال الله، وليس معناه تعطيل الله عن الفعل، بل هو لم يزل ولا يزال فعالًا لما يريد، لكنه يمسك عن الفعل في شيء ما لحكمة بالغة، ففعله حكمة، وإمساكه حكمة. قوله: وسمي بيوم القيامة لثلاثة أسباب: 1- قيام الناس من قبورهم، لقوله تعالى: 2- قيام الأشهاد، لقوله تعالى: 3- قيام العدل، لقوله تعالى: وعلى فرض أن أحدًا لم يأت بخطيئة وأصابته مصيبة، فنقول له: إن هذا من باب امتحان الإنسان على الصبر، ورفع درجاته باحتساب الأجر، لكن لا يجوز للإنسان إذا أصيب بمصيبة، وهو يرى أنه لم يخطئ أن يقول: أنا لم أخطئ، فهذه تزكية، فلو فرضنا أن أحدًا لم يصب ذنبًا وأصيب بمصيبة، فإن هذه المصيبة لا تلاقي ذنبًا تكفره لكنها تلاقي قلبًا تمحصه، فيبتلي الله الإنسان بالمصائب لنظر هل يصبر أو لا؟ ولهذا كان أخشى الناس لله ? عز وجل ? وأتقاهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، يوعك كما يوعك رجلان منا ، وذلك لينال أعلي درجات الصبر فينال مرتبة الصابرين على أعلى وجوهها، ولذلك شدد عليه صلى الله عليه وسلم عند الفزع ومع هذه الشدة كان ثابت القلب ودخل عليه عبدالرحمن بن أبي بكر وهو يستاك فأمده بصره (يعني ينظر) فعرفت عائشة رضي الله عنها أنه يريد السواك، فقالت: آخذه لك؟ فأشار برأسه نعم. فأخذت السواك وقضمته وآلانته للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأعطته إياه، فاستن به، قالت عائشة: ما رأيته استن استنانًا أحسن منه، ثم رفع يده وقال: فانظر إلى هذا الثبات واليقين والصبر العظيم مع هذه الشدة العظيمة، كل هذا لأجل أن يصل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلى درجات الصابرين، صبر لله، وصبر بالله، وصبر في الله حتى نال أعلى الدرجات. فمن أُصيب بمصيبة، فحدثته نفسه أن مصائبه أعظم من مصائبه فإن يُدلّ على ربه بعمله ومُمنّ عليه به؛ فليعذر هذا. ومن ذلك يتضح لنا أمران: 1- أن إصابة الإنسان بالمصائب تعتبر تكفيرًا لسيئاته وتعجيلًا للعقوبة في الدنيا، وهذا خير من تأخيرها له في الآخرة. 2- قد تكون المصائب أكبر من المعائب ليصل المرء بصبره أعلى درجات الصابرين، والصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد. وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: " وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قوله: قوله: كذلك من الابتلاء الصبر عن محارم الله، كما في الحديث: قوله: ولم يقل هنا " فعليه السخط " مع أن مقتضى السياق أن يقول فعليه، كقوله تعالى: فقال بعض العلماء: إن اللام بمعنى على، كقوله تعالى: وقال آخرون: إن اللام على ما هي عليه، فتكون للاستحقاق، أي: صار عليه السخط باستحقاقه له، فتكون أبلغ من " على "، كقوله تعالى: * ويستفاد من الحديث: * إثبات المحبة والسخط والرضا لله ? عز وجل، وهي من الصفات الفعلية لتعلقها بمشيئة الله تعالى؛ لأن (إذا) في قوله: " إذا أحب قومًا للمستقبل، فالحب يحدث، فهو من الصفات الفعلية. والله تعالى يجب العبد عند وجود سبب المحبة، ويبغضه عند وجود سبب البغض، وعلى هذا؛ فقد يكون هذا الشخص في يوم من الأيام محبوبًا إلى الله وفي أخر مبغضًا إلى الله، لأن الحكم يدور مع علته. وأما الأعمال؛ فلم يزل الله يحب الخير والعدل والإحسان ونحوها، وأهل التأويل ينكرون هذه الصفات، فيؤولون المحبة الرضا بالثواب أو إرادته، والسخط بالعقوبة أو إدارتها، قالوا لأن إثبات هذه الصفات يقضي النقص ومشابهة المخلوقين، والصواب ثبوتها لله ? عز وجل على الوجه اللائق به كسائر الصفات التي يثبتها من يقول بالتأويل. ويجب في كل صفة أثبتها لنفسه أمران: 1- إثباتها على حقيقتها وظاهرها. 2- الحذر من التمثيل أو التكييف. * فيه مسائل: الأولى: تفسير آية التغابن. الثانية: أن هذا من الإيمان بالله. الثالثة: الطعن في النسب. الرابعة: شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا الجاهلية. الخامسة: علامة إرادة الله بعبده الخير. السادسة: إدارة الله به الشر. السابعة: علامة حب الله للعبد. الثامنة: تحريم السخط . التاسعة: ثواب الرضا بالبلاء. * فيه مسائل: * الأولى: تفسير آية التغابن. وهي قوله تعالى: * الثانية: أن هذا من الإيمان بالله. المشار إليه بقوله: (هذا) هو الصبر على أقدار الله. * الثالثة: الطعن في النسب. وهو عيبه أو نفيه، وهو من الكفر، لكنه لا يُخرج من الملة. * الرابعة: شدة الوعيد فيمن ضرب الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية. لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تبرا منه. * الخامسة: علامة إرادة الله بعبده الخير. وهو أن يعجل له الله العقوبة في الدنيا. * السادسة: إرادة الله به البشر. أي إرادة الله به الشر، وهو أن يؤخر له العقوبة في الآخرة. * السابعة: علامة حب الله للعبد. وهي الابتلاء. * الثامنة: تحريم السخط. يعني: مما به العبد، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: * التاسعة: ثواب الرضا بالبلاء. وهو رضا الله عن العبد، لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
|